” اتصل بي موظف الاستقبال ليخبرني أن رجلاً مع طفله ينتظراني في غرفة الاستقبال، أسرعت من فوري بالنزول إليهم، وما أن دخلت الغرفة حتى التقت عيناي بعيني الطفل أنور البالغ من العمر 8 سنوات، تمكن من الوقوف بصعوبة، فساقه التي شخصها الأطباء منذ الولادة على أنها داء القدم القفذاء منعته من الوقوف بشكل طبيعي”.
على الفور رحبت مها بأنور وأبيه وأجلستهما وبدأت تستمع لحديث الأب بعد أن أخبرها بأنه علم بمركز بكرى أحلى في إحدى النقاط الطبية، ومن خلال حديث الأب عرفت مها بأنه يشعر بالضيق الشديد بسبب إصابته بمرض الصرع فأحالته مباشرة إلى قسم الدعم النفسي الخاص بالرجال، أما أنور فقد اصطحبته إلى قسم إدارة الحالة، كان يمشي بصعوبة إلى أن وصل إلى الغرفة فجلس وهو يشعر بالخجل وبدأ يتكلم: ” على الرغم من معاناتي فأنا لا أريد إلا محبة من حولي، لم أشعر يوماً بمحبة أحد سوى أمي”.
تقول مها: ” تفهمت حالة الطفل وعملت على كسب ثقته، حيث أخبرني بأنه نازح في مخيمات كفرلوسين في مخيم طيبة الإمام، يعيش مع والده وأخته البالغة من العمر 10 سنوات وأمه التي تدعمه بشكل دائم وتهتم به غاية الاهتمام، كان يبدو على الطفل بأنه ذكي ومدرك لما يدور حوله، حيث أخبرني بأن والده يعنفه بدون وعي عند إصابته بنوبة الصرع، وبأنه يشعر بالحزن والأسف على حالة والده خصوصاً أنه لا يستطيع العمل وبأن الجد هو من يقوم بتقديم دخل شهري لأسرته، أيضاً فإن أنور أخبرني بأنه لا يحب اللعب خارجاً بسبب شعوره بأنه ليس كأي طفل طبيعي يتعثر دائما ويسقط ويتعرض للسخرية من الأقران، لذا يفضل العزلة والبقاء بالمنزل كما أنه يبلل فراشه ليلاً ويشعر بالحزن والقلق بسبب هذا الموضوع”.
طمأنت مها أنور بأنها ستبذل قصار جهدها لمساعدته، وبداية أحالته الى أحد المراكز لتأمين حذاء طبي يستطيع من خلاله المشي واللعب بشكل أفضل، وعلى نفس المسار أحالته إلى طبيب بولية للتأكد من حالته الصحية، ودمجته على الفور بقسم الأنشطة في المركز لينال نصيبه من اللعب والمرح ويكوّن صداقات جديدة لتزداد ثقته بنفسه؛ وبعد عدد من الجلسات دخل أنور وقابل مها وهو يرسم على وجهه ابتسامة بريئة ومفعم بالحيوية، ولا غرابة فهو اليوم يرتدي حذاءً طبياً ويمشي بشكل مستقيم حيث التف بشكل دائري أمام مها وقال: ” الآن أصبحت مثل باقي الأطفال”، وكذلك ومن خلال التقرير الطبي تبين أن الطفل يعاني من صغر في المثانة وهو الآن يحصل على الرعاية الطبية والتدخل الدوائي المناسب وحالته الصحية في تطور مستمر نحو الأفضل، كما أنه اندمج بالأنشطة المقدمة في المركز، فقد كانت السيارة تقوم بإحضاره يومياً للعب مع الأطفال مما عزز شعوره بأنه طفل طبيعي، وعلى صعيد آخر فقد كانت مها تتابع حالة الأب في قسم الدعم النفسي للرجال، حيث تلقى جلسات دعم نفسي وتمت إحالته للحصول على جلسات حول برنامج المهارات الوالدية، الأمر الذي حسن تدريجياً من علاقة الأب بالطفل، فأصبح أكثر مرونة في التعامل معه وخاصة أن المركز قام بتأمين علاج الصرع من إحدى العيادات التابعة لمنظمة SRD.
أنور اليوم كما أخبر مها بأنه يشعر بالأمان في مركز بكرى أحلى فقد شعر أنه مرحب به ويستطيع أن يكون طبيعياً كباقي الأطفال، وها هو يستعد للالتحاق بالمدرسة ليكمل تعليمة مثل أي طفل آخر.